كتبت كريستين نيف، أستاذة علم النفس التربوي بجامعة تكساس في أوستن ومؤلفة كتاب التعاطف الذاتي من أجل التعافي من الإرهاق، أن الإنسان يستطيع أن يُظهر لنفسه اللطف الحقيقي في أقل من عشر دقائق، إذا تدرّب على ما تسميه “استراحة التعاطف الذاتي”. هذه الممارسة البسيطة، بحسب نيف، تتيح للفرد التوقف عن جلد الذات والبدء بمعاملتها كما يعامل صديقًا عزيزًا يمرّ بوقتٍ عصيب.

أوضحت مجلة جريتر جود أن التمرين يبدأ باستحضار موقف صعب يسبب ضغطًا أو شعورًا بالفشل أو نقدًا ذاتيًا قاسيًا. الخطوة الأولى أن يُقرّ الإنسان بصعوبة ما يمرّ به بصدق ودون حكم، عبر عبارات مثل “هذا مؤلم فعلًا” أو “أنا أواجه صعوبة الآن”. بعدها يتذكّر أن المعاناة جزء من التجربة الإنسانية، وأن الجميع يمرّ بلحظات ضعف، فيقول مثلًا: “الآخرون يشعرون بذلك أيضًا” أو “هذا طبيعي”. بهذه الجمل القصيرة يعيد المرء نفسه إلى دائرة الانتماء الإنساني، بدل أن يعزلها في شعور بالعار أو العجز.

المرحلة التالية أن يمنح الإنسان نفسه دفئًا حقيقيًا. يمكن أن يضع يده على قلبه، أو يمسك بوجهه برفق، أو يشبك يديه. اللمس الجسدي، كما تشرح نيف، يرسل إشارات عصبية إلى الجهاز العصبي تُخفّف من توتره. هذه الإشارات تُقلّل نشاط الجهاز العصبي الودي المسؤول عن استجابة “القتال أو الهروب”، وتُفعّل الجهاز اللاودي الذي يبعث على الهدوء، مما يخفض مستويات الكورتيزول ويزيد من توازن نبض القلب.

تشير نيف إلى أن هذه الممارسة لا تُغيّر فقط المشاعر، بل تؤثر في الجسد ذاته؛ فالأبحاث تُظهر أن الأشخاص الأكثر تعاطفًا مع أنفسهم يتمتعون بصحة أفضل ونومٍ أعمق، كما أظهرت دراسات حديثة على طلاب جامعيين ورياضيين أن أداءهم تحسّن بعد تعلّمهم هذا النوع من التعاطف. السبب، كما تقول، أن التعاطف الذاتي يمنح الإنسان وسيلة أكثر نفعًا للتعامل مع الفشل: بدل أن يغرق في جلد الذات، يواجه خطأه بفضول وهدوء، فيتعلّم ويتقدّم.

في لحظة التطبيق، يمكن لأي شخص أن يختار موقفًا واقعيًا يزعجه: موعد نهائي ضاغط، خلاف مع شخص مقرّب، أو شعور بعدم الكفاءة. بعدها يوجّه انتباهه إلى معاناته مباشرة، لا ليغرق فيها، بل ليعترف بها. ثم يتذكّر أن هذا الشعور لا يجعله استثناءً، بل إنسانيًا بالكامل. ثم يرسل لنفسه كلمات دعمٍ ناعمة، كما لو كان يخاطب صديقًا حميمًا: “أنا هنا من أجلك، ليس عليك أن تكون مثاليًا، أنت تفعل ما بوسعك.”

تشدّد نيف على أن هذا النوع من الخطاب الذاتي ليس خداعًا أو تجاهلًا للمشكلة، بل اعترافًا بالمعاناة مع الإصرار على الرعاية. تقول: “لا تقول لنفسك إن كل شيء بخير، بل تقول: أعلم أنك تتألم، وأنا معك.” بهذه الطريقة يصبح الإنسان شاهدًا ومساندًا في الوقت نفسه، لا قاضيًا ولا جلادًا.

تضيف نيف أن التعاطف الذاتي ليس ترفًا عاطفيًا بل مهارة حياتية. حين يتعلّم الشخص كيف يهدّئ جسده ويحتضن ضعفه، تقلّ نوبات القلق والإرهاق، ويزداد التوازن النفسي. بل إن مجرد دقيقة واحدة من هذا التمرين كافية لتبديل حالة الجسم والعقل. يمكن ممارسته في أي وقت، في المكتب أو قبل النوم أو بعد خلاف، فالفكرة أن نعيد برمجة ردّ فعلنا على المعاناة، لنتعامل معها بالرفق بدل المقاومة أو الإنكار.

تختم الكاتبة بأن التعاطف الذاتي ليس أنانية، بل طريقٌ للاستمرار. حين يعامل الإنسان نفسه بلطف، يستطيع أن يمدّ اللطف ذاته إلى الآخرين. في النهاية، “أن تكون صديق نفسك” ليس شعارًا، بل مهارة تُعيدنا إلى أصل التجربة الإنسانية: أن نكون ضعفاء، وواعين، ومحبين رغم ذلك.

https://greatergood.berkeley.edu/podcasts/item/happiness_break_how_to_be_your_own_best_friend_encore